Résumé:
مما لا شك فيه أن المواجهات الإيديولوجية التي كانت سائدة طوال فترة الحرب الباردة
قد انتهت بصورتها القديمة، أي المواجهة وجها لوجه وسيادة الخطاب الأيديولوجي المباشر،
لكن التحول الجديد الذي طرأ خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن المنصرم وحتى الآن هو
انفراد ما يمكن أن نسميه بالأيديولوجيات الناعمة، وهي إيديولوجيات تبنتها الدول الغربية أو كما
يطلق عليها الإمبريالية كآليات استخدمتها بصورة رمزية غير مباشرة للولوج للفاعل الاجتماعي
بهدف ا لعمل على أدلجته وتشكيله ، وخلقه ، وصناعته وفق هابيتوسها الثقافي أي وفق نمطية
ٕ ونموذج المجتمع الغربي ، نما لكي تحافظ ا
وذلك ليس بهدف تطويرها وا لدول الغربية على
امتيازاتها وسلطتها وموقعها في التراتبية الاجتماعية ، ومن جهة أخرى التأثير على المهيمنين
عليهم بجعلهم يتبنون أفكارها وأسلوب نمط وجو دها بهدف إدخالهم إلى دائرة استصغار آناهم
وازدراء ذاتهم وتبخيس لهويتهم وتوليد مشاعر النقمة اتجاه تطبعهم المكتسب من الحقل
الاجتماعي .
وفي حديثنا عن هذه المركزيات والهيمنة والصراعات الثقافية ووجه العالم الذي يتبدد
عبر الوسائط في عصر العبودية –كما أشر نا سابقا- نستشف أحد أعمد ة السوسيولوجيا
المعاصرين والأب الروحي لحركات العولمة البديلة عالم الاجتماع الفرنسي "بيار بورديو " الذي
قال عنه زهير الخويلدي ما" يفتنني فيه هي أريحية ذكائه وسخائه واستعداده الدائم لخوض
المعارك الاجتماعية...بحيث لا يرضى بأن يكون شاهدا على الحدث بل فاعلا فيه"، يقف عند
هذا الشتات الإنساني لا لوصفه أو لتحليله أو للبحث عن مآله في ظله، لكن لتتبع مراحل تكونه
في كنف المجتمع الغربي خاصة المجتمع الفرنسي بطبقاته المختلفة المولدة لأنماط ثقافية
فسيفسائية رسمت مشهدا العالم الذي يضج بصراعات، تتحكم فيها سلطة خفية تمارس نفوذها
عبر وسائط متنوعة، شكلت نظاما يعيد إنتاج نفسه في كل مرة، يرسم الغاية نفسها، وهي
الهيمنة والاستلاب والتحكم في الإدراكات للبقاء واستعباد الشعوب على اختلافها.
مقدمة
ب
فهنا يوضح بورديو فكرة جوهرية لا مناص من مناقشتها ؛ إذ أنه يكشف لنا كيف أن الطبقة
المهيمنة أو المسيطرة السائدة في المجتمع تتبنى استراتيجيات تكون غير مكشوفة وغير مرئية
للعون الاجتماعي التي تمارس بواسطتها عليهم عنف ا رمزي ا، الأمر الذي يؤدي إلى الحفاظ دائما
على نفس البنية الاجتماعية وتكرارها بحيث يظل المسيطرين دائما بيدهم السلطة وهم في أعلى
درجات التفاوت ، أما المسيطر عليهم فهم الخاضعين لها ، وفي هذا السياق يأتي مفهوم إعادة
الإنتاج ذاتي من قبل النسق لنفسه، يعيد النسق بناء نفسه وينتج كامل أدواره .
وقد لاحظ بورديو أن المدرسة أو النظام التعليمي في فرنسا من بين أهم الوسائل
والآليات التي تستخدمها الطبقة المهيمنة لخدمة مصالحها وتعزيز التفاوت الاجتماعي بدل من
تحقيق المساواة في المجتمع ، والمتأمل هنا يجد عالم الاجتماع الفرنسي "بيار بورديو" قد ركز
في حديثه على النسق التعليمي ، فأشار من خلاله على أن مفهوم إعادة الإنتاج الاجتماعي
يشير إلى دورة غير طبيعية تكرسها المدرسة لصناعة نفس الأجيال دون تجديد في ذلك،
وانطلاقا من هذا المفهوم يمكن القول بأنه يشكل نقطة تقاطع مع المفاهيم الأخرى في نظريته
السوسيولوجية ، وتبعا لهذا فإن مفاهيم من قبيل الهابيتوس ورأسمال الثقافي والاجتماعي والعنف
الرمزي والسلطة الرمزية هي مفاهيم تتمحور حول مسألة إعادة الإنتاج .
وتظهر أهمية هذا الموضوع في أنه يرفع النقاب عن حقيقة الهيمنة السائدة داخل