Résumé:
تعتبر مدرسة فرانكفورت من أبرز المدارس الفلسفية الغربية المعاصرة التي
تطورت بفضل جهود روادها الذين أثروا اإلنتاج الفلسفي للمدرسة في مختلف أجيالها ,
األول تحت قيادة كل من ماكس هوركهايمر و أدورنو و الثاني ممثال في يورغن
هابرماس و كارل أتوآبل , و الثالث ممثال في أكسل هونيت , و تشكل هذه المدرسة
انعطافا مهما في مسيرة الفكر األوروبي المعاصر,حيث كان لها األثر الكبير و الفاعل
في صياغة نظرية نقدية تتعامل مع السوسيولوجيا , الفلسفة , السياسة ‘الثقافة ,كأبعاد
متداخلة و متشابكة في عملية تكوين و دراسة النظريات االجتماعية و األفاق المعرفية
و الحضارية التي رافقت التطورات و التحوالت التي شهدها المجتمع األوروبي في
ميادين االقتصاد و السياسة .
و لقد انطلقت مدرسة فرانكفورت منذ نشأتها في مشروع بناء فلسفة اجتماعية
تستمد مشروعية قيامه مباشرة من الفلسفة الماركسية و الهيجيلية ,هذه الفلسفة
االجتماعية التي أعلن هوركهايمر عن قيامها منذ محاضرته االفتتاحية تعتبر اإلطار
العام للمشروع الذي تمحورت حوله جهود كل رواد المدرسة بمختلف أجيالها بالرغم من
مقدمة
ب
اطروحاتهم الفلسفية المتباينة إال أن هذا التباين ال يعني غياب جسر للتواصل
بين مختلف أجيالها ,فمدرسة فرانكفورت تكتسي اليوم أهمية بالغة نظرا لثراء و تنوع
كتاباتها المنفتحة على مختلف المرجعيات الفلسفية الكبرى من جهة و مواكبتها المعقدة
المطروحة في المجتمعات المعاصرة و للتحوالت الفكرية ة االجتماعية و السياسية
لعالمنا المعاصر من جهة أخرى .
و المتتبع لمسار تطور المدرسة في نهاية األربعينيات و في الخمسينيات نجد أن
روادها من الجيل األول هوركهايمر و أدورنو قد اتجها إلى نقد جذري للعقل و للحضارة
الغربية بشكل أساسي , فقد حاول هوركهايمر أن ينشط النقد الثقافي الجذري و ناقش
بدوره مسألة التسلط العسكري و المشكلة االقتصادية التي تشل الحياة االجتماعية ،كما
بين مع زميله أدورنو أن مفهوم العقل تحول إلى طريق التنوير ، ليكون قوة العقالنية و
لعل الحاصل من ذلك فرض العقل سيطرته ال على الطبيعة فحسب بل و على
مقدمة
ت
الوسائل التي يستخدمها اإلنسان للسيطرة على الطبيعة قد سيطرت على ذاته,و نجد في
مقدمة هؤالء المفكرين المحذرين من هذه الوضعية الكارثية على اإلنسان و المجتمع
,فالسفة مدرسة فرانكفورت النقدية من الجيل األول , و أخص بالذكر هوركهايمر و
أدورنو اللذان عايشا عمليات التحديث في ألمانيا , خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية
, و هذا ما دفعهما غلى السير في تقليد ثقافي و فلسفي ألماني يتخد من السلب و النفي
وجه.
ُ
و النقد مبدأه الم
لقد أُثار رواد مدرسة فرانكفورت الكثير من التساؤالت حول مختلف الحقول
المعرفية , و برزت الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في الكثير منها باالعتماد على
نقدهم للفكر الفلسفي و االجتماعي و رفضهم التماشي مع أطروحات النظام االجتماعي
الذي كان قائما آنذاك و نقد إيديولوجيته.
و لم يتوقف نقدهم عند حدود المجتمع و مؤسساته بل تجاوز ذلك ليمس البنية
الفكرية و السياسية لهذا المجتمع , بهدف الوصول إلى صياغة نظرية نقدية للمجتمع ,
و هذا التوجه النقدي الجديد الذي بلورته مدرسة فرانكفورت , جعلها محل اهتمام النخب
المثقفة في المجتمع األوروبي عامة , و المجتمع األلماني خاصة باعتباره المجتمع
الذي تأسست فيه المدرسة , كما لقيت اهتمام المثقف األمريكي في أمريكا باعتبارها
مقدمة
ث
مجتمع المنفى لكثير من روادها خاصة من الجيل األول , و لقد ترتب عن هذا االهتمام
باألفكار النقدية لمدرسة فرانكفورت تشبع الشباب و الطالب في الستينيات و كانت وراء
قيام حركات إصالحية مست المؤسسات الجامعية العلمية و المؤسسات االقتصادية و
السياسية .
لقد عكست النظرية النقدية محاولة إليجاد بديل نظري نقدي واضح المعالم
للوقوف أمام التيارات النظرية البرجوازية التي مارست و تمارس أنواعا من السلطة
الفكرية , و هدفت في األخير إلى تفويض الفصل التقليدي بين النظرية و التطبيق , و
لقد أكد رواد الجيل األول لمدرسة فرانكفورت هوركهايمر أن ديالكتيك النظرية و التطبيق
يجب أن يكون داخليا , و حتى ولو تنكرت النظرية للمحيط الذي تتحرك فيه فيجب أن
تتحدد باالنفتاح على الجانب التطبيقي لكل فهم ذاتي و في لحظة تشكيل المصلحة .
ّ
بنى على أسس سليمة , إذا تم االكتفاء بالتنظير فحسب بل إن
ُ
و ال يمكن للمجتمع أن ي
هذا البناء مشروط في األساس بربط النظرية بالممارسة الثورية , و نجد في كتاب
"جدلية التنوير" لهوركهايمر و أدورنو إشارة إلى العالقة الجدلية بين اإلنسان و البيئة
االجتماعية باعتبارها عالقة سيطرة على تاريخ اإلنسانية بوجه عام ,و على تاريخ الفكر
األوروبي بوجه خاص , بحيث نجد أن القيم التي رافع عنها عصر التنوير , كالحرية و
مقدمة
ج
األخوة و المساواة , لم تتجاوز كونها قيما نظرية صورية , أدى نزولها إلى الواقع
العلمي و الممارسة بفعل عصر التنوير إلى تمهيد الطريق لبروز األنظمة الشمولية .
إن قيم عصر التنوير ال يمكن أن تتحول إلى واقع الممارسة و البراكسيس إال إذا
وجدت قوة االجتماعية معينة تتكفل بهذا التحويل , أي االنتقال بهذه القيم من اإلطار
النظري الفكري إلى الممارسة الواقعية العملية , و لذلك انكب رواد مدرسة فرانكفورت
على البحث عن هذه القوة االجتماعية التي تتمكن من إحداث التغيير الثوري للمجتمع
و إعادة بنائه على أسس العدالة و الحرية و العقل
فمهمة مدرسة مهمة نقدية راديكالية لواقع المجتمعات الغربية من الناحية
االقتصادية بحكم النظام االقتصادي الرأسمالي , و الناحية السياسية بحكم هيمنة
األنظمة الفاشية و االستبدادية , للكشف عن تناقضات هذا الواقع الراهن , و البحث
عن البديل الذي يكمن في إفراز نظام اجتماعي و سياسي و اقتصادي قائم على العقل
, يتحرر بموجبه االنسان من كل أشكال االستبداد و من كل أنماط الوجود الالإنسانية ,
فمهمة بهذا التعقيد و الصعوبة ال يمكن أن تؤدي إال انطالقا من بناء النظرية النقدية
من التفاعل بين الفلسفة و الرصيد المعرفي للعلوم االجتماعية
مقدمة
ح
نون تحت تسمية :
ُ
و في هذا السياق يندرج موضوع بحثنا الذي ع النظرية
النقدية عند ماكس هوركهايمر حاولنا من خالله االشتغال على المشروع النقدي و
الفلسفي لمدرسة فرانكفورت في جيلها األول و تحديدا حول كيفية صياغة هوركهايمر
للنظرية النقدية و دورها في نقد المجتمع األوروبي الغربي و كذلك المساءلة النقدية
لمشروع التنوير و للعقالنية اآلداتية.
أما عن الدوافع التي كانت وراء اختيارنا لهذا الموضوع فيمكننا القول بأنها من
جهة استجابة لهاجس تملكنا منذ تعاطينا لفعل التفلسف دراسة و تدريس , و هو أن
للفلسفة دورا أساسيا في فهم مشكالت الواقع اإلنساني , و تقديم الحلول للكثير منها , و
في هذا إشارة واضحة إلى ضرورة ربط الفلسفة بالممارسة العملية , و هذا ما دافعت
عنه مدرسة فرانكفورت بقوة خاصة في جيلها األول , كرد فعل عن الوظيفة اإليديولوجية
التي أسندت للفلسفة في في المجتمعات البرجواز ية األوروبية و التي تمتثل أساسا في
أبعاد األنساق الفلسفية عن الواقع .
فوجدنا أن موضوع المذكرة الذي اقترحه األستاذ المشرف يجيب عن هذا الهاجس
, و من جهة أخرى فإن مدرسة فرانكفورت و مشروعها النقدي لم تحظ باهتمام كبير من
قبل الباحثين العرب , و خاصة في جيلها األول مقارنة برواد الجيل الثاني و أخص
مقدمة
خ
بالذكر هنا يورغن هابرماس , األمر الذي جعلنا نعتقد بأن بحثنا هذا يعتبر محاولة
إلثراء البحث في المشروع الفلسفي لهذا الجيل من المدرسة .
إن موضوع بحثنا هذا يتمحور حول إشكالية مركزية يمكن صياغتها على النحو
التالي :
كيف استطاع هوركهايمر من خالل النظرية النقدية تجاوز مشروع التنوير الذي تحول
إلى األداتية ؟
إن هذه اإلشكالية المحورية تندرج تحتها جملة من المشكالت الفرعية و التي يمكن
صياغتها في جملة من التساؤالت منها :
-فيما تتمثل النظرية النقدية ؟ و إلى مدى يعود تاريخها ؟
- و ماهي أبعاد النظرية النقدية ؟ و كيف تحول مشروع التنوير من أداة لتحرير
اإلنسان من كل أشكال الهيمنة الالهوتة و السياسية و من ربقة األوهام و الخرافات
التي قيدتها في عصر ما قبل التنوير إلى أداة إلخضاع هذا اإلنسان إلى سيطرة شاملة
على عقله و عواطفه و رغباته ؟
مقدمة
د
- و هل كانت هناك آثار و نتائج للنظرية النقدية ؟ و هل كانت هنالك حلول و بدائل
أخرى للنظرية النقدية ؟
و كوننا لسنا أول من تناول النظرية النقدية في البحث و الدراسة يمكننا ان نذكر بعض
الدراسات و البحوث السابقة , من اهم هذه الدراسات مذكرة لنيل شهادة الدكتوراه في
الفلسفة لنوررالدين بوزار بعنوان " الفلسفة و العلوم االجتماعية عند مدرسة فرانكفورت
ماكس هوركهايمر و تيودور أدورنو"
المصادر و المراجع , أما عن المصادر و المراجع فاعتمدنا على مجموعة من
المصادر و المراجع متمثلة فيمايلي :
ماكس هوركهايمر ,ثيودور أدورنو: " جدل التنوير" – ماكس هوركهايمر
"النظرية التقليدية و النظرية النقدية " - يورغن هابرماس " جدلية العلمنة العقل و الدين"
أفايا محمد نو الدين :"الحداثة و التواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة" – كمال
بومنير:"النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيت" –
حسان مصدق :"يورغن هابرماس و مدرسة فرانكفورت"
مقدمة
ذ
و اعتمدنا في تناول في معالجتنا إلشكالية هذا البحث عن المنهج التحليلي
النقدي الذي يتناسب في رأينا مع طبيعة البحث و اإلشكالية التي يطرحها .
و لإلجابة عن هذه اإلشكالية رسمنا خطة تضمنت إضافة إلى المقدمة ثالثة فصو ل و
خاتمة .
مقدمة :تمت فيها التعريف بموضوع البحث و أهميته و أسباب اختياره و كذا ضبط
اإلشكالية و المشكالت المتفرغة عنها , كما أشرنا فيها إلى الخطة المتبعة و المنهج
المعتمد , وتطرقنا فيها أيضا إلى أهم الدراسات السابقة و الصعوبات التي واجهتنا في
إنجاز هذا العمل
» فصل أول :اخترنا لهذا الفصل عنوان :
النظرية النقدية من النشأة إلى التطور أردنا من
خالله تتبع السياق التاريخي العام لنشوء هذه المدرسة و قد قسمنا هذا الفصل إلى ثالثة
مباحث:
المبحث األول و كان تحت عنوان »ماكس هوركهايمر حياته و مؤلفاته « الذي تطرقنا
من خالله إلى تحياته و كيف تأسيسه لمعهد فرانكفورت و عرض أهم كتيبة .
مقدمة
ر
المبحث الثاني :تحت عنوان » مفهوم النظرية النقدية « حيث تحدثنا عن مفهوم
النظرية النقدية و أصولها التاريخية , و أهم التعريفات لبعض الفالسفة .
المبحث الثالث : و كان تحت عنوان »نشأة النظرية النقدية «حيث تتبعنا البداية األولى
لنشأة النظرية النقدية أي محطة التأسيس األولى , و منطلقاتها الفكرية ,و المراحل التي
مرت بها .
فصل ثاني :تحت عنوان : أبعاد النظرية النقدية , تناولنا فيه أبرز إسهامات هوركهايمر
و قسمنا هذا الفصل إلى أربعة مباحث :
المبحث األول :تحت عنوان » النظرية النقدية عند ماكس هوركهايمر « حيث تحدثنا
عن كيفية صياغة ماكس للنظرية النقدية و أهم إسهاماته في ظل هاته النظرية.
المبحث الثاني : كان تحت عنوان :» التشيؤ عند ماكس هوركهايمر « حيث تطرقنا
فيه إلى تحول اإلنسان إلى آلة و تشبيهه إلى شيء .
المبحث الثالث : عنوانه :» مقارنة نقدية للعقل التنويري عند ماكس هوركهايمر « حيث
تحدثنا فيه عن نقد هوركهايمر للعقل التنويري , و تحديد أهدافه و كيف تحول عقل
اإلنسان إلى آلة .
مقدمة
ز
المبحث الرابع : عنوانه :» مسألة التقنية في مدرسة فرانكفورت « حيث تناولنا من
خالله تأثير التقنية و التطور على حياة اإلنسان فبالكاد أصبح آلة .
فصل ثالث :تحت عنوان » النظرية النقدية في الميزان « تطرقنا من خالله إلى إعادة
جديدة للنظرية النقدية و قسمنا هذا الفصل بدوره إلى ثالثة مباحث :
المبحث األول : عنوانه » إعادة بناء هابرماس النظرية النقدية « تكلمنا فيه عن
صياغة هابرماس للنظرية النقدية وما الجديد الذي أتى به .
المبحث الثاني : عنوانه :» النظرية النقدية عند ماكس هوركهايمر مزايا و مؤاخدات
خاتمة : وقفنا من خاللها على اهم النتائج التي تم استخالصها من دراستنا هذه للنظرية
النقدية , و كذا األفاق التي فتحتها , و كيف تمكننا من القيام بدراسة نقدية جزئية
لواقعنا.