Résumé:
الحمد لله على ما منَّ به من الإيمان و نعمة العقل و اللسان الذي نزل به القرآن و الصلاة
و السلام على نبيه و آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان، و بعد:
إنَّ الاختلاف و تعدد وجهات النظر في المجتمعات الإنسانية لسنَّة ماضية من سنن الله
سبحانه في عباده و اقتضت حكمته أن تختلف آ ا رء الناس في صغير الأمور و كبيرها، فقد
قال الله عز وجل : ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَ اَ زلُونَ مُخْتَلِفِين إِلا مَنْ
119 . و مرجع ذلك أنهم خ لقوا - رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾. سورة هود، الآية 118
مختلفين في الميول و الرغبات و في الفهم و العلم ، فكان هذا سبب ا مفضي ا إلى الاختلاف
في آ ا رئهم حول قضية من القضايا في مختلف ميادين شؤونهم الحياتية و ضمن إطار
قضاياهم الدينية، و لما كانت المناظرة لا تكون إلا بوجود أ ريين مختلفين فالإنسان لا يناظر
إلا من اختلف معه في ال أ ري لذلك لا يكاد يسمع قولا يختلف عن فكره إلا و ينبعث منه
داعي الرد المفضي للتناظر.
و تبع ا لكثرة الاختلافات الفكرية التي طبعت الحضارة العربية الإسلامية وجدت
المناظ ا رت لإق ا رر الحق و الوصول إليه، فقد زخر الت ا رث العربي الإسلامي بالعديد من
المسائل التي ط رحت في سياق التناظر و الجدال، و بذلك نشأت المناظرة في بيئة الثقافة
العربية الإسلامية و ع قدت فيها المجالس للتناظر و التباحث تنوعت بتنوع موضوعاتها و
أط ا رفها المتناظرة، و هذا ما يدل على مركزية المناظرة في الحضارة العربية الإسلامية، بل
و هي السمة المميزة لها على اختلاف عصورها.
يعتبر العصر العباسي الأول أزهى عصور بني العباس من حيث النضج الفكري و
التنوع الثقافي المعرفي، تطورت فيه المناظرة و تعددت مجالسها في حضرة الخلفاء و بين
العلماء، نظ ا ر لاهتمام الخلفاء العباسيين الأوائل بمجالس العلم و المناظرة و احتكاك العرب
بغيرهم و امت ا زج الثقافات و ترجمة العلوم بالإضافة إلى تدافع الفرق و المذاهب الإسلامية
مقدمة
ب
و كذا الغير إسلامية، و غير ذلك كثير مما جعل مجالس المناظرة ذات مكانة هامة
فتميزت و تطورت شكلا و مضمون ا و أصبحت لغة العصر و سمته آنذاك.
كما أن العقيدة الإسلامية ب نيت على أسس جدلية ناظرت من خلالها المخالفين لتعاليم
الإسلام و المنكرين له، و بذلك ت عد المناظرة مبحث ا حضاري ا ارتبط في أغلب الأحيان
بالخلاف الديني، خاصة و كان الأصل في بداية المناظ ا رت البحث في أمور الدين و
العقيدة، فشغلت مجالس المناظرة الدينية حي ا ز واسع ا من مناظ ا رت العصر العباسي الأول و
كان لها أث ر في تفعيل حرك ية المناظرة و ازدهارها كما أثرت في عمومها على الحياة الدينية
و الفكرية الثقافية.