Résumé:
تعتبر العلوم الجنائية من العلوم العصرية التي تتمتع بأهمية كبيرة نظرا لما تقدمه من خدمات جليلة مهمة للمجتمع والتي تعمل عن الكشف على الجرائم كالتزوير، الاختلاسات المالية، السرقة، الاغتصاب وتحديد مرتكبي هذه الجرائم، فالعلوم الجنائية هي العلوم التي تنظر في فروع الجريمة ومسرحها من بصمات، مواد مخدرة وسموم، آلات حادة، أسلحة ومقذوفات، آثار الحرائق المفتعلة، حمض نووي وسوائل جسدية، آثار دماء وشكلها، وثائق وأي آثر مادي آخر قد يكون مفيدا في الإشارة للجاني، أيضا تولي العلوم الجنائية اهتماما بأساليب أخذ وتخزين هذه الآثار لسهولة فقدانها ولمصداقيتها إذا ما اختلطت بعوامل أخرى لا تتعلق بالجريمة. كذلك نرى دورا هاما لعلم الإنسان في العلوم الجنائية حيث يعتبر أداة محورية في الجرائم التي مر عليها زمن طويل وأصبحت بقايا الضحية بحاجة لفحص خبير لتحديد نوعها وسنها والظروف التي تم حفظ البقايا فيها وما إذا كانت قد تلقت ضربات مميتة.
فالعلوم الجنائية تغطي جميع الجوانب المتعلقة بعلم الجريمة بأنواعها سواء كانت الطبية أو العلمية أو الاجتماعية أو العدلية وتطبيق المعارف. ومما يميز هذه العلوم أنها أصبحت تستخدم وسائل وتقنيات حديثة مختلفة تسخر للكشف عن الجريمة ومن أشهر هذه التقنيات البصمة الوراثية والتحاليل الكيميائية والسمية والدراسات المجهرية لأدلة الجرمية ومسرح الجريمة ككل، وعليه فللعلوم الجنائية علاقة وطيدة بالعديد من التخصصات والتي من بينها علم النفس المرضي.
إذ يعتبر علم النفس المرضي أحد فروع علم النفس النظرية التي تعتمد عليها الفروع التطبيقية، فهو يهتم بدراسة الجانب النفسي واضطراباته يهدف إلى تشخيص وتصنيف الاضطرابات النفسية وأسبابها وصراعات الشخص الداخلية أو الخارجية في سعيه للتكيف وبالتالي فعلم النفس المرضي هو العلم الذي يهتم بالجانب المرضي للظاهرة النفسية وذلك بدراسة التطور النفسي للفرد واضطراباته بهدف تصنيف وتشخيص الاضطرابات النفسية منها والعقلية. ويهتم علم النفس المرضي بجميع أنواع الاضطرابات التي تعيق توافق الفرد مع بيئته الاجتماعية سواء كانت هذه الاضطرابات وجدانية، عقلية، سلوكية، أو نف وجسدية، فتؤدي بالفرد إلى فقدان التوازن الكلي أو الجزئي مع محيطه.
ويلعب علم النفس المرضي دورا هاما في العلوم الجنائية، فمن خلال الدور الاكلينيكي للأخصائي النفساني الذي يقوم على الخبرة التي يتمتع بها علماء النفس من خلال العمل مع المرضى في أوساط علاجية مختلفة. وعادة ما يتمثل هذا الدور في مساعدة الأشخاص المصابين بمرض أو اضطراب عقلي أو نفسي، وهو ما يمنح للأخصائي النفساني خبرة في جوانب كثيرة من الشذوذ العقلي والنفسي، إضافة إلى مهارات المناقشة التي قد لا يمتلكها المحامون والتي تمكنه من التوصل على معلومات تفيد التحقيق، فالخبرة النفسية للأخصائي النفساني تعتبر حلقة وصل بين علم النفس المرضي والعلوم الجنائية.
ومن هنا تسعى هذه المداخلة إلى ابراز العلاقة بين علم النفس المرضي والعلوم الجنائية من خلال التطرق إلى الخبرة النفسية كحلقة ربط متينة بين العلمين تحمل تفاصيل علم النفس المرضي وتقدم حلولا للعلوم الجنائية والتي لا تقدمها غيرها من العلوم. كما سيتم التطرق إلى ابجديات الخبرة النفسية وشروطها التكوينية ولممارساتي وإبراز فعاليتها في توجيه العديد من القضايا والمواقف من خلال توظيف نظريات علم النفس المرضي بما يتوافق مع واقع البيئة والثقافة المعاش.