Résumé:
أولى المشرع الجزائري بموجب الأمر رقم 24-02، المتعلق بمكافحة التزوير واستعمال المزور، عناية تشريعية فائقة بهذا النمط من الإجرام لما يشكّله من مساس خطير بسلامة الوثائق والمحررات ومصداقية المعاملات القانونية والإدارية، فعلى الصعيد الموضوعي، أتى النص بتقنين شامل ومحكم للأفعال المجرمة التي تمس بالمصداقية القانونية للوثائق، سواء كانت رسمية أو عرفية أو إلكترونية، حيث حصر صور التزوير واستعمال المزور في نطاق واسع، شمل المحررات الإدارية، الشهادات الرسمية، العملات، الأختام، الطوابع، الدمغات، وكذا الأفعال المتصلة بشهادات الزور، اليمين الكاذبة، وانتحال الصفات أو الألقاب أو الوظائف أو الأسماء أو إساءة استعمالها.
وقد تميزت النصوص بالدقة والصرامة في تحديد العقوبات الجزائية المقررة لهذه الأفعال، سواء من حيث طبيعتها أو مقدارها، مع امتداد سريانها إلى الأشخاص الطبيعيين والمعنويين على حد سواء، ما يعكس إرادة المشرع في تحقيق الردع العام والخاص على السواء، أما من الناحية الإجرائية فقد كرّس المشرع إطارًا إجرائيًا صارمًا، يضمن الفعالية في تعقب هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها، حيث تم تحديد قواعد الاختصاص النوعي والإقليمي للجهات القضائية المختصة، مع إسناد سلطة تحريك الدعوى العمومية للنيابة العامة باعتبارها الحارس الأمين للشرعية الإجرائية، وفي سياق تعزيز أدوات التحري والتحقيق، أجاز النص للسلطات المخوّلة الاستعانة بوسائل التحقيق الخاصة، لا سيما التفتيش الإلكتروني، وذلك ضمن نطاق رقابة قضائية صارمة، ترمي إلى صون الحقوق والحريات الأساسية، وتحقيق التوازن المنشود بين متطلبات الأمن القانوني وضمانات المحاكمة العادلة، إن هذا التأطير التشريعي المتكامل يُجسّد توجّه المشرّع نحو إرساء منظومة جزائية متقدمة، تستجيب لمتطلبات العصر الرقمي، وتتصدى بفعالية للجرائم التي تهدّد الثقة العامة في الوثائق والمعاملات.