Résumé:
تشهد المجتمعات الحديثة ومن بينها المجتمع الجزائري تحولات بنيوية عميقة في مختلف أنساقها الاجتماعية والثقافية، مدفوعة بالتطورات المتسارعة في مجال الاتصال الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، ومن بين أبرز هذه التحولات ما يصيب النسق القيمي داخل الأسرة الجزائرية، التي تعد الوحدة الاجتماعية الأساسية لنقل الموروث الثقافي والقيمي عبر الأجيال.
وقد انطلقت هذه الدراسة من فكرة مفادها أن التحول الرقمي رغم ما يحمله من فرص معرفية واتصالية، فإنه قد أسهم في إعادة تشكيل الحقل القيمي داخل الأسرة الجزائرية، مما أدى إلى اختلال بعض التوازنات الرمزية والمعيارية داخلها، ولهذا تم إجراء دراسة ميدانية على عينة قصدية قوامها 120 مفردة من أرباب الأسر بولاية قالمة والذين يتعاملون مع مواقع التواصل الاجتماعي.
وأظهرت نتائج الدراسة أن القيم الأسرية لم تتلاشى بقدر ما خضعت لعملية إعادة تأويل في بعض جوانبها؛ فبينما تراجعت بعض القيم مثل سلطة الأب أو مركزية الأم كمصدر للتنشئة، برزت قيم جديدة تتعلق بحرية التعبير داخل الأسرة، الفردانية، والمشاركة في الفضاءات العامة الرقمية،واتساع الفجوة الجيلية، وظهور ما يعرف بـالانفصال الإتصالي داخل الأسرة، حيث أصبح كل فرد يعيش في فضائه الرقمي الخاص، ما انعكس سلباً على التفاعل الحي والمباشر، كما أن التحول الرقمي أسهم في إعادة تشكيل أدوار أفراد الأسرة، وخلق نماذج جديدة من التفاعل الأسري تتسم غالبا بالفردانية واللاتزامنية في التواصل، مما أدى إلى تراجع بعض القيم التقليدية، وبروز أخرى تتسم بالمرونة والانفتاح، لكنها في الوقت ذاته تهدد بتفكك الروابط الاجتماعية إن لم ترافقها آليات ضبط اجتماعي وثقافي ملائمة.
وتخلص الدراسة إلى أن التحول الرقمي في الجزائر لا يمثل فقط نقلة تقنية، بل يحمل في طياته تحولاً ثقافياً واجتماعياً عميقاً، يستدعي إعادة النظر في السياسات التربوية والإعلامية، وتعزيز الوعي الرقمي لدى الأسرة، من أجل المحافظة على تماسك النسق القيمي بما يتلاءم مع تحديات العصر الرقمي.
