Résumé:
يُعدّ المحكي الرّحلي أبرز الأنواع الأدبية في الثقافة العربية، إذ اشتهر العرب بكثرة تنقلاتهم وتحولهم من موضع إلى آخر مع حرصهم على صب تجاربهم الرّحلية في قالب كتابي، فتركوا بذلك مدونات رحلية كثيرة تصور وقائع ومجريات ارتحالهم سواء داخل دار الإسلام أو خارجها.
والمحكي الرّحلي كغيره من الأنواع الأدبية الأخرى خطاب غير بريء، وإنما متحيز يُظهر أشياء، وفي المقابل يُضمر ويكتم أشياء أخرى، خاصة إذا علمنا أنّ كل راحل يتكِئ على مرجعية ثقافية ودينية وسياسية وجنسية تُؤطر نظرته وتوجهها في أثناء تجربته السفرية، إذ لا يمكن لصاحب العمل في هذا الضرب من السرد أن يتنصل وينسلخ عن ثقافته في رؤيته للعالم الذي طاف في أرجائه، واطلع على عاداته وخصوصياته، بمعنى أنّ دين الرّحالة وتوجهاته الفكرية والأيديولوجية وغيرها تتدخل بشكل من الأشكال في صياغة الرّحالة لحكيه، وفي تمثيلاته السردية للآخر المختلف الذي حفلت به السرود الرّحلية العربية القديمة.
والنص الرّحلي نصٌ هجينٌ يمتلك قابلية التّحاور مع المناهج النقدية الحداثية التي أفادت أغلب الدارسين في مقاربتهم لشتى الأعمال الأدبية، من هذا المنطلق ارتأينا في بحثنا هذا مساءلة نماذج رحلية عربية مختارة من القرن الرابع إلى القرن الثامن للهجرة باعتماد مقولات وآليات النّقد الثّقافي الذي يشتغل أصحابه عليه في كثير من الأحيان وفق ثنائيات ضدية تعارضية في الخطاب من قبيل: أنا/ آخر، مركز/ هامش...مقسمين البحث إلى أربعة فصول: الأول نظري خصصنا المبحث الأول فيه لجوانب مهمة في الرحلة (التعريف، النشأة، الدوافع، الأهمية، إشكالية التجنيس)، والمبحث الثاني كان للمنهج المعتمد في الدراسة فوقفنا عند المفهوم، والطرح الغربي والعربي لهذا التيار مع إثارتنا لقضية النّسق الثّقافي في السرد الرّحلي.
أما الفصل التطبيقي الأول فقد كان حول جدلية الأنا والآخر، وذلك بهدف استظهار مدى جمالية أو قُبحية التّمثيل السّردي في النماذج المختارة للدراسة، في حين كان الفصل الثالث فرصة لتعرية الفكر المركزي عند ابن فضلان وابن جبير، كما أثرنا فكرة مركزية الرّجل كذات كاتبة للمحكي الرّحلي في مقابلتها بالهامش الأنثوي، والفصل الختامي عرّجنا فيه إلى سمة الحضور الأنثوي في السرد الرّحلي الرجولي، أي الصورة المعطاة للمرأة، فضلا عن إبراز صورة السود عند ابن بطوطة ، وكلها قضايا تقع ضمن اشتغالات النّقد الثّقافي.
في حين تضمنت الخاتمة مجمل النتائج المتوصل إليها.