Résumé:
يشغل خطاب الذّاكرة مساحة واسعة في الرّواية النّسائيّة الـمكتوبة بالعربيّة، ويضطلع بأهمّية قصوى نظرا لتعالقه بالذّات الإنسانيّة، والهويّة، والتّاريخ، والواقع، فضلا عن كونه همزة وصل بين الـماضي والحاضر، حيث تتمّ عمليّة الاسترجاع الفنّي، فتُستَحضر الذّكريات وتُسْتَجلب صورها، لكنّ خطاب الذّاكرة لا يعيد الواقع كما هو، بل يستثمره في وضعيّات جديدة تُوَشَّى بزيّ الخيال، وتتلاءم والغاية الـمنشودة، والذّوق الفنّي.
ويكتسب خطاب الذّاكرة أهمّيته من قدرته على اقتحام المحذور، وكشف المستور، وتعرية الواقع، والبوح بالمسكوت عنه، لاسيما إذا ارتبط بلغة مؤنّثة، وامرأة مهمّشة ومنبوذة من مجتمع ذكوريّ متسلّط، يراها جسدا من دون عقل، ويحصر وظيفتها في الإنجاب، وبتحوّلها من موضوع إلى ذات فاعلة، أبرزت تفرّد لغتها المتعالقة بالذّاكرة، والعاطفة، والحساسية، والرّمزيّة، والقدرة على استرجاع دقائق الأمور وتفاصيلها.
وحاولنا من خلال البحث الإجابة عن إشكاليّة جوهريّة هي: كيف يتمظهر خطاب الذّاكرة في الرّواية النّسائيّة الـمكتوبة بالعربيّة، وما آليات اشتغاله؟ وما مدى نجاعة المقاربة الموضوعاتيّة في التقاط الموضوعات المهيمنة الكبرى، والصّغرى؟
واخترنا التّطبيق على عشرة نماذج روائيّة مكتوبة بالعربيّة من 1993 إلى 2019م لروائيّات عربيّات ذاع صيتهنّ، مثل رضوى عاشور، وأحلام مستغانمي، وهيفاء بيطار، وعائشة بنّور، وليلى أبوزيد، وبتول الخضيري، وميّ منسّى.
وكان الإيمان بخصوصية السّرد النّسويّ الّذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالذّاكرة، والرّغبة في ولوج عالم المرأة الرّوائيّ، واستكناه خباياه، واستنطاق موضوعاته، إضافة إلى قلّة الدّراسات الّتي ركّزت على خطاب الذّاكرة في الرّواية النّسائيّة العربيّة من الدّوافع الرّئيسة في اختيارنا الموضوع. وهذا قصد الوقوف عند خطاب الذّاكرة، والتقاط موضوعاته الـمهيمنة الكبرى، وما ينبثق عنها من موضوعات صغرى، وإبراز آليات اشتغاله، وسماته في ارتباطه باللّغة الـمؤنّثة.
وقسمنا البحث إلى مقدّمة، وأربعة فصول، وخاتمة، وركّزنا في الفصل الأوّل على الـمفاهيم الإجرائيّة، مثل الخطاب، والذّاكرة، وخطاب الذّاكرة، والرّواية النّسائيّة، والـمنهج الـموضوعاتيّ.
وجاء الفصل الثّاني بعنوان (خطاب ذاكرة الألم في الرّواية النّسائيّة المكتوبة بالعربيّة)، وعنينا فيه بالألم بعدّه موضوعا من الموضوعات المهيمنة الكبرى الّتي تميّز الرّواية النّسائيّة- على وجه الخصوص، وتتبّعنا فيه الألم بنوعيه النّفسيّ والجسديّ في أربع روايات هي: رواية (يوميّات مطلّقة) لهيفاء بيطار، ورواية (أثقل من رضوى)، و(الصّرخة)، و(الطّنطوريّة) لرضوى عاشور، كما حاولنا الوقوف عند الآليات الّتي تسنح بتصيير الألم أملا.
وتابعنا في الفصل الثّالث (خطاب ذاكرة الطّفولة في الرّواية النّسائيّة المكتوبة بالعربيّة)، على اختلاف تمظهراته من خطاب حلم ودهشة وبراءة، إلى خطاب قهر ومعاناة، نظرا لكون الطّفولة أهمّ مرحلة عمريّة لها اليد الطّولى في بناء ذاكرة الفرد، وتكوين شخصيّته. وقصد تحقيق الغاية المنشودة، اخترنا عددا من الرّوايات الّتي يهيمن عليها موضوع الطّفولة، وهي: رواية (رجوع إلى الطّفولة) لليلى أبوزيد، و(قتلت أمّي لأحيا) لميّ منسّى، و(كم بدت السّماء قريبة) لبتول الخضيري.
وعالجنا في الفصل الرّابع (خطاب الذّاكرة المنسيّة في الرّواية النّسائيّة المكتوبة بالعربيّة، وآليات اشتغاله)، بعدّه موضوعا مشتركا تلتقي عنده كلّ النّماذج المذكورة سابقا، فضلا عن (ذاكرة الجسد)، و(شهيّا كفراق) لأحلام مستغانمي، و(اعترافات امرأة) لعائشة بنّور، حيث يتحوّل النّسيان إلى نعمة ينشدها الرّواة الّذين أثقل التّذكّر كاهلهم، فتنتهج الرّوائية العربيّة عدّة آليّات لتجاوز الذّاكرة إلى النّسيان، ومن أبرزها: تأنيث اللّغة، والذّاكرة.
واستفدنا من عدد من الدّراسات السّابقة والمراجع الّتي أعانتنا على الوصول إلى الغاية المنشودة، وتحقيق الأهداف المرجوّة.
وقد أثبتت الـمقاربة الـموضوعاتيّةنجاعتها في التقاط هذه الـموضوعات، وإبراز جماليّاتها للقارئ، وخلص البحث إلى أنّ خطاب الذّاكرة يرتبط ارتباطا وثيقا بالـمرأة نظرا لطبيعتها البيولوجيّة، وحساسيّتها الـمفرطة، واهتمامها بدقائق الأمور، ما يجعل ذاكرتها مستيقظة أبدا، وأنّ كلّ محاولات تأنيث اللّغة ستبوء بالفشل ما لم تسع الرّوائيّة العربيّة إلى تأنيث الذّاكرة.
كلمات مفتاحيّة: خطاب، ذاكرة، خطاب الذّاكرة، رواية نسائيّة، منهج موضوعاتيّ.