Résumé:
تعتبر الأقليات من أهم القضايا السياسية التي أخذت حيزا كبيرا من الدراسات والبحوث والنقاشات الأكاديمية والسياسية، نظرا للتأثير الكبير الذي باتت تلعبه على المستوى الدولي خاصة بعد نهاية الحرب الباردة، أين زاد الاهتمام بالأقليات من طرف المجتمع الدولي، ومن هذا المنطلق جاءت دراستنا كمحاولة لفهم طبيعة الدور الذي تلعبه وتدفع بالأقليات نحو تدويل الحروب الأهلية، آخذين أقلية الطوارق في مالي كدراسة حالة في اطار صراعها مع الحكومة المركزية التي تسيطر عليها أقلية البومبارا، وهو نزاع ممتد بين الطرفين لعقود طويلة تخللها تصعيد للتوتر ودخول في حروب أهلية، آخرها كانت الحرب الاهلية سنة 2012، حيث شهد النزاع تدخل عدة أطراف خارجية في النزاع إلى جانب أطراف النزاع الداخلية.
إن تواجد الأقليات على اختلافها داخل المجتمعات والدول، تعتبر ظاهرة سياسية واجتماعية طبيعية نظرا للاختلاف والتعدد الذي تتسم به الطبيعة البشرية باختلاف الأعراق واللغات والديانات والايديولوجيات والقيم والثقافات، بيد أن طرق وأساليب التعامل مع الأقليات، تختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، ان العجز عن احتواءها قد ينجر عنه مشكلات سياسية، أمنية واجتماعية، قد تهدد تماسك واستقرار المجتمعات والدول، خاصة عندما تشعر الأقليات بالإقصاء والتهميش والظلم، وهو ما يدفعها إلى اتخاذ خطوات وأساليب لمواجهة السياسات الممارسة ضدها كالتمرد والحرب والانفصال.
إن دخول الأقليات في نزاعات وحروب داخلية مع الجماعات الأخرى داخل الدولة، يعطي فرصة لتدخل عدة أطراف خارجية في تلك النزاعات سواء من أقليات أخرى أو من دول ومنظمات دولية واقليمية أو فواعل أخرى غير دولاتية، وهذا التدخل يكون بعدة صور وآليات وأساليب، فكل طرف خارجي يحاول دعم جماعة من الأقليات التي تخدم مصالحه، فقد تكون هناك دوافع ومصالح سياسية واستراتيجية واقتصادية، وقد يكون التدخل لمناصرة أقلية تتقاسم نفس العرقية أو الاثنية أو القومية، وهذه التدخلات تؤدي إلى تدويل النزاعات الداخلية والحروب الأهلية، وهو المعطى الذي قد يعرقل تسوية وحل هذه النزاعات.
وفي نهاية الدراسة قمنا بإسقاط الجانب النظري على حالة أقلية الطوارق في اقليم أزواد من خلال نزاعها وحربها مع الحكومة المركزية في مالي منذ عدة عقود، وكانت آخر مرة تصاعد فيها النزاع سنة 2012 لما قام الطوارق بالتمرد ومحاولة الانفصال بإعلان استقلال اقليم أزواد في الشمال عن مالي، وهو ما أدى إلى الدخول في نزاع وحرب أهلية بين المجموعات المتنازعة في مالي، وفتح المجال أمام التدخلات الخارجية وتدويل النزاع، أين نجد التدخل الفرنسي وتدخل الايكواس ومنظمة الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى نجد دعم بعض الأطراف الأخرى الخارجية دولتية وغير دولتية لأقلية الطوارق في اقليم أزواد، ونتيجة لهذه التدخلات الخارجية وتدويل النزاع في أكثر من مرة بقي النزاع في مالي بين أقلية الطوارق والحكومة المركزية نزاعا ممتدا متجددا يخمد تارة ويتصاعد أخرى بسبب عدم جدية الأطراف الخارجية في ايجاد تسوية للنزاع لإبقاءه أداة للتدخل في المنطقة وتحقيق أجندتها ومصالحها على حساب أمن واستقرار دول وشعوب المنطقة