واقع الصحة العمومية في الجزائر و صعوبات الممارسة السيكولوجية بالقطاع.

Abstract

عرف قطاع الصحة العمومية في الجزائر تطور كبير بعد الوضعية الكارثية التي ورثها من الاستعمار الفرنسي، خاصة في مرحلة الانتعاش الاقتصادي الذي عرفته البلاد (نتيجة لارتفاع سعر البترول) و التي تجلت في بناء العديد من المؤسسات الصحية المتخصصة، الجامعية، الجوارية، الوقائية.... المجهزة بمختلف المرافق الطبية و التشخيصية. إلا أن تهيئة هذه المرافق لم يحقق إصلاحات حقيقية، فوراء هذا الغلاف المالي الكبير الذي خصص لهذا القطاع مشاكل عميقة و خطيرة حدت من تطور و تنمية الصحة العمومية باعتبارها احد أهم مؤشرات التنمية المحلية. فسوء التسير، الفساد، الصراع الوظيفي، غياب الصيانة... منع استفادة المواطن من مختلف الخدمات الصحية المقدمة من هذه المؤسسات، زد إلى ذالك الوضعية المزرية لعمال هذا القطاع و المشاكل المهنية مع الإدارة في ضل غياب إستراتيجية واضحة لمعالم للصحة العمومية في الجزائر. أما في ما يخص الصحة النفسية و العقلية فالوضعية أكثر تعقيد في الجزائر. فغياب خطة تنموية تأخذ بعين الاعتبار مختلف أبعاد الصحة بما فيها النفسية و العقلية همشت هذا المجال و جعلت هذا البعد أخر أوليات الوزارة الوصية، ما انعكس في قلت المؤسسات النفسية والعقلية المتخصصة. و في ضل كل هذا التعقيد الذي يلف الصحة العمومية في الجزائر و مجال الصحة النفسية و العقلية وجد الأخصائي النفساني نفسه ضائع بين فرض مكانته و هويته المهنية أمام الزملاء في القطاع و أمام المجتمع ككل. فقد عرفت الممارسة السيكولوجية في الجزائر تطور بطي و صعب تخلله العديد من العوائق المهنية و الاجتماعية. فالمجتمع الجزائري غير المعتاد على مثل هذه النوعية من التكفل، كما أن الصحة العمومية لم تفسح المجال لهذه الممارسة التي لم تخضع إلى تكوين طبي خاصة مع العديد من المشاكل التي ظهرت في العلاقة بين الأخصائي النفساني و الطبيب النفسي و مهام و دور كل منهما. ضف إلى ذلك ضعف التكوين في هذا التخصص وفق فترة زمنية محددة بثلاث سنوات( نظام ل م د). كل هذه العوامل و غيرها لم تمكن الأخصائي النفساني من فرض نفسه و تكوين وضعيته و ممارسته وفق الأسس العلمية لعلم النفس. جاءت هذه الورقة البحثية قصد تحليل صعوبات الممارسة السيكولوجية في قطاع الصحة العمومية في الجزائر. حيث سنعمل على توضيح مختلف تعقيدات هذا القطاع في الجزائر و مراحل تطوره، كما سنحاول تحليل واقع الصحة النفسية و العقلية في الجزائر دون أن ننسى تداعيتها على الممارسة السيكولوجية بمختلف معوقاتها و صعوباتها. محاولين في الأخير رسم إستراتجية تعمل على هيكلة مهنة الأخصائي النفساني وفق متطلبات جو العمل و المجتمع الذي يعيش فيه.